الشيخ أحمد بمب والقرآن الكريم

الشيخ أحمد بمب والقرآن الكريم
القرآن في حياة الشيخ العملية

من المعروف تاريخيا أن أسرة الشيخ الخديم وضي الله عنه كان لها عهد قديم بالقرآن وتاريخ عريق معه، فقد كان أجداده وآباؤه مدرسين للقرآن وللعلوم الشرعية ابتداء من جده محمد الكبير «مهرم امباكي» وصولا إلى والده مام مور أنت سالي امباكي ومرورا بجدته سغن أشت والو امباكي والدة السيدة مام جارة بوسو.

وهكذا هيأ الله للشيخ بيئة تزخر بالحفظة والعلماء، ورزقه حفظ القرآن في سن مبكرة علي أيدي أقاربه، خال أمه ووالده، وقدنسخ بيده عدة مصاحف عن ظهر الغيب.3

ولم تتوقف هنا مسيرته مع الكتاب العزيز، فقد تقلد مهمة تدريسه في حجر والده وتحت إشرافه في امباكي كجور قبل إعلان دعوته الإصلاحية التي عرفت، فيما بعد بالطريقة بالمريدية عام ١٨٨٣.
القرآن في منهج الشيخ الخديم

ولما شرع الشيخ في تربية المريدين الذين لبوا دعوته كانت دراسة القرآن وحفظه ركنا أساسيا في عملية تكوين المريد، كما كان دوام تلاوته جزءا مهما من برنامج تربيته الروحية يقول :

كلٌّ مريدٍ بي يلوذُ فليُدِمْ


تلاوةً لخير ذكرٍ قدْ رُسِمْ4

وقد كان يرتب لمريديه رواتب من القرآن يلازمون قراءتها إلى جانب أذكار وعبادات أخرى.

وقد عهد مهمة تدريس القرآن إلي عدد من كبار مريديه الذين تربوا على يديه وتصدروا، وأبرزهم الشيخ عبد الرحمن لوح5، الأمر الذي ساهم في تغيير نظرة الناس إلى مدرس القرآن الكريم وموقفهم منه.

وأصبح لدراسة القرآن لون مختلف وبعد آخر في عهده، بفضل تكريمه لأهل القرآن وتبجيله لهم وإغداقه عليهم بالأموال الطائلة. فقد تنافس أبناء المريدين في حفظ القرآن وكتابة المصاحف وتقديمها إليه.

وكانت للشيخ رضي الله عنه مجموعات من القراء والكتبة وظيقتها ختم القرأن عدة مرات كل يومي وكتابة المصاحف. يقول الشيخ محمد الأمين جوب صاحب إرواء النديم في وصف أحواله في دار المنان بعيد عودته من منفاه بغابون ” وبقي على حاله وتربيته وأمره وجماعته فوق ما كان بأضعاف مضاعفة؛ والمصاحف تقرأ في النهار بالنظر وفي الليل عن ظهر غيب… “6.ويحكي صاحب الإرواء أيضا طرفا من شأن الشيخ مع القرآن في جربل “وصارت القرية [ جربل] أعمر قرية بمساجدها ومدارسها القرآنية والعلمية. ومصحف الشيخ يختم في باب داره كل يوم أربع مرات، مرتين بعد الصبح ومرة بعد الظهر ومرة بعد العصر، وفي ليلة الجمعة سبع مرات ( …) وأما الاستكتابات فكل حافظ كاتب ـ أي حسن الخط ـ لا يخلو من مصحف مستقل “

وأما تبجيل الشيخ وتكريمه للمصحف الشريف فقد كان حديث الركبان، فقلما كان يتسلم بيديه هدية سوى مصحف يقدم إليه، حيث كان يقبله ويضعه فوق فرش مهيئة، يرش عليها أطيب أنواع العطور. وكان ينفق أموالا طائلة في تصنيع أغلفة جلدية فاخرة للمصاحف.

وبفضل توجيهات الشيخ وتعاليمه، شهد موقف العامة تجاه دراسة القرآن وحفظه نقلة نوعية كبيرة؛ فقد كان السواد الأعظم من دارسي القرآن، قبل انتشار دعوته، يسعون وراء أغراض دنيوية بحتة كالحظوة بمكانة اجتماعية مرموقة وجني الأموال، الأمر الذي كان يؤدي إلى ممارسات غريبة واستعراضات يشوبها التغنى والتلاعب بالقرآن في محافل عامة!

ولكن هذا التعامل الفريد من نوعه مع القرآن من قبل الشيخ الخديم والذي له انعكاس طيب على موقف مسلمي عصره تجاه الكتاب العزيز ليس إلا ترجمة حية لنظرته إلى هذا الكتاب العزيز وتطبيقا عمليا لتعاليمه التي تناثرت في ثنايا قصائده تجاهه.